فلسطين ومصر في "كانّ 2024": بحثٌ عن خلاص وحرية في عالمٍ أرحب

فلسطين ومصر في "كانّ 2024": بحثٌ عن خلاص وحرية في عالمٍ أرحب

10 مايو 2024
مهدي فليفل و"إلى أرض مجهولة" في "كانّ" (ماتّ كارّ/Getty)
+ الخط -
اظهر الملخص
- في الدورة الـ77 لمهرجان "كانّ" السينمائي، ستُقام النسخة الـ56 لـ"نصف شهر المخرجين"، التي تغيرت تسميتها إلى "أسبوعا المخرجين والمخرجات" لتعزيز التوازن الجندري، مما يثير جدلًا حول تأثير ذلك على القيم الفنية.
- يُسلط المهرجان الضوء على أفلام ذات قيم فنية عالية مثل "Ma Vie Ma Gueule" ويبرز التنوع الثقافي والجغرافي من خلال مشاركات عربية مثل "إلى أرض مجهولة" و"شرق 12".
- يُقدم المهرجان "جائزة الجمهور" باسم شانتال أكرمان، مع عرض خاص لفيلمها، ما يعكس اهتمام المهرجان بتكريم الأسماء البارزة وإشراك الجمهور في التقييم، معززًا مكانته كمنصة للاحتفاء بالتميز السينمائي.

 

تشهد الدورة الـ77 (14 ـ 25 مايو/أيار 2024) لمهرجان "كانّ" السينمائي تنظيم النسخة الـ56 لتظاهرة "نصف شهر المخرجين"، التي يؤسّسها "اتحاد السينمائيين الفرنسيين" عام 1969. الاتحاد نفسه ارتأى تغيير اسمها إلى "أسبوعا المخرجين والمخرجات"، تماشياً مع حالة متفشّية في مهرجانات ونشاطات سينمائية مختلفة، تتمثّل في إيجاد توازن جندري بين الرجال والنساء في المسابقات والبرامج ولجان التحكيم، وإنْ يختلّ التوازن أحياناً لصالح الرجال. هذا يطرح سؤالاً، يتكرّر بين حين وآخر: أيكون التوازن على حساب القيم الجمالية والدرامية والفنية والتقنية للإنتاج السينمائي؟

إدارات مهرجانات عدّة تُدافع عن اختياراتها، بالقول إن البحث منصبٌّ أساساً على تلك القيم، أكثر من التوازن. وهذا، إنْ ينطبق في "كيفية" اختيار الأفلام (والكيفية هذه تحتاج دائماً إلى نقاشٍ نقديّ، فالاختيارات غير ملتزمةٍ القيم تلك، في كلّ دورة لكلّ مهرجان)، غير محسومٍ في اختيار أعضاء لجان التحكيم.

واضحٌ أنّ المسألة لن تُحسم جذرياً ونهائياً، رغم أنّ اختياراتٍ متفرّقة (أفلام ولجان تحكيم) تستند إلى قيمٍ تختصّ بالصناعة، وإلى تجارب عاملين وعاملات في تلك الصناعة، وإلى خبراتهم واشتغالاتهم وسيرهم المهنيّة الباهرة. أمّا تغيير اسم تظاهرة تُقام في مهرجان "كانّ"، يحتاج (المهرجان نفسه) إلى تغييرات في آلية اشتغاله وخياراته المختلفة، فغير مؤثّرة في تحقيق توازن فعلي وعميق في الصناعة السينمائية، إذْ لا تزال النساء تتقاضى أجوراً أقلّ من تلك التي يتقاضاها الرجال، وهذا مثلٌ واحد غير حاجب أمثلة أخرى.

تغيير كهذا غير موجودٍ في تظاهرة "أسبوع النقّاد" مثلاً، المؤسَّسة عام 1962 بجهد "النقابة الفرنسية للنقد السينمائي" (المفردة الفرنسية Critique تحتمل ترجمتها إلى اللغة العربية مفردتين: نقد ونقّاد).

كما تشهد النسخة الـ56 "جائزة الجمهور"، لأول مرّة في تاريخها، الحاملة اسم المخرجة البلجيكية الراحلة شانتال أكرمان (1950 ـ 2015)، والتي تبلغ قيمتها المالية ثمانية آلاف دولار أميركي. بهذه المناسبة، يُعرض لأكرمان "قصص أميركا: طعام، عائلة وفلسفة" (1988).

 

 

أمّا الافتتاح، فمعقود على الفيلم الفرنسي Ma Vie Ma Gueule لصوفي فيليار، المتوفاة في 31 يوليو/تموز 2023 (مواليد 20 نوفمبر/تشرين الثاني 1964)، بعد وقتٍ قليل على إنهاء تصويره، موصيةً ولديها أغات وآدم بونيتزر إتمامه كلّياً، بمساعدة عاملين وعاملات معها عليه: أزمة منتصف عمر امرأة في ثلاثة فصول: كوميديا، مأساة، وعيد الغطاس. "تترك فيليار صورة ذاتية رائعة وحميمية، تمنحها الممثلة أنياس جاوي جسداً وروحاً"، كما في "كاتالوغ" التظاهرة. إليه، يُعرض 21 فيلماً روائياً طويلاً، و9 أفلامٍ قصيرة. في الختام، يُعرض فيلم فرنسي آخر، بعنوان "أسلحة بلاستيكية" لجان ـ كريستوف موريسّ (1975): كلّ تشابه مع قاتل مشتبه به ليس صدفة. رجل يقتل عائلته كلّها، ويختفي في البرية. مستوحى من إحدى أبرز القصص الإخبارية الفرنسية في الأعوام الأخيرة، بنَفسٍ مسرحي يمزج الضحك بالقسوة. هناك محلّلون هواة، ومشهورون في وسائل التواصل الاجتماعي، وكاره للنساء، وغيرهم وغيرهنّ: "تقليدٌ ما للكوميديا الفرنسية، مُعزّز بروح دعابة مروّعة" (الكاتالوغ).

في المسابقة نفسها (الأفلام الطويلة)، أول مشاركة فلسطينية، متمثّلة بـ"إلى أرض مجهولة" (بمشاركة إنتاجية من "ميتافورا" القطرية) لمهدي فليفل: شابان بينهما صلة قرابة قريبة يفرّان من "مخيم عين الحلوة" في لبنان، ويَعْلقان في أثينا، التي يدخلانها خلسةً، بحثاً عن طريقة توصلهما إلى ألمانيا. إنّهما في دوّامة لا يتمكّنان من السيطرة عليها. تغذّيه "سينما نيويورك"، خاصة "منتصف ليل راعي البقر" (1969) لجون سلاسينجر: "فيلم إثارة عصبيّ ومأسوي، لكنّه أيضاً يكشف الظروف المعيشية للمهاجرين، التي لا يعرفها أحدٌ"، سارداً "الحقائق من دون مبالغة فيها أو تخفيف لها" (الكاتالوغ).

إليه، هناك فيلم عربي آخر، بعنوان "شرق 12" للمصرية هالة القوصي: كوميديا سوداء في إطار فانتازيّ ساخر عن عالمٍ مُغلَق خارج الزمن، يتمرّد فيه الموسيقار الشاب عبدو (عمر رزيق) على شوقي البهلوان (أحمد كمال)، الذي يُدير المكان بخليطٍ من العبث والعنف، والحكّاءة جلالة (منحة البطراوي)، التي تخفّف عن الناس بسردها حكايات خيالية عن البحر الذي لا يعرفه أحد. يُخطّط عبدو مع نُنّة (فايزة شامة) لكسر قبضة شوقي، ونيل الحرية في عالم أرحب: "في أرضٍ صناعية قاحلة، تُروى حكاية شعبية تمتدّ من "ألف ليلة وليلة" إلى "أوبو روي". يحاول شباب رائعون النجاة من استبداد طاغية، يشتري فجأة تذاكر اليانصيب وكتل السكر" (الكاتالوغ). الفيلم الروائي الثاني للقوصي موصوفٌ بأنّه "باروكي ومفرط، يبرز في السينما الأفريقية والعربية، ويستحضر روح السينما الجديدة في ستينيات القرن الـ20 وسبعينياته".

المساهمون